المقاربة بالكفايات وتدريس اللغة العربية
إن رهان الاصلاح الجديد التي تخوضه وزارة التربية الوطنية بالمغرب والمؤسس على اعتماد المقاربة بالكفايات في التدريس، ونظراً للأهمية الكبيرة التي تحتلها اللغة العربية فقد عكف العديد من الدارسين إلى البحث عن الطرق المثلى لإيصالها لمتعلميها وذلك سعياً للوصول إلى إجابات مقنعة للأسئلة المطروحة والمنبثقة من إشكاليات تؤرق أغلبية مدرسي اللغة العربية خصوصا مع تدني مستوى الإنجازات اللغوية لدى المتعلمين الذي يمليه الرغبة في تحفيز المتعلمين للمشاركة في تطوير مهاراتهم اللغوية، وتحسين التعبير بلغة عربية سليمة.
والسؤال المطروح: كيف يتم تدريس اللغة العربية في ظل المقاربة بالكفايات؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نفرق في مسألة تعليم اللغة بين ما ندرسه كمادة معرفية سواء تعلق الأمر بالجانب الصوتي أو الصرفي أو التركيبي أو المعجمي... وبين ما نسعى إلى تحقيقه في شكل قدرات ومهارات تظهر بالملموس في أداء المتعلمين وإنجازاتهم، فليس الهدف الأول من تدريس اللغة هو دراسة الأصوات والصرف والتركيب والمعجم والدلالة... وإنما المطلوب هو استثمار تلك الأنظمة اللغوية المختلفة في خلق القدرة على التعبير السليم والمتعمق لدى متعلم اللغة العربية، وهنا تتجلى خصوصية تدريس اللغة واختلافها عن باقي المواد الأخرى التي لا تتعدى مستوى التحكم في زمام المعرفة المقدمة، بينما الأمر في تدريس اللغة مختلف تماماً، إذ ليست لها مادة كبقية المواد الأخرى وإنما هي تشتمل على مهارات لغوية مختلفة ومتعددة، تستقي مادتها من مناشط التعليم الأخرى،[1] إذن فهي من جهة وسيلة التعلم مرتبطة بالمجال الحسي الحركي والمعرفي والوجداني، ومن جهة أخرى فهي غاية التعلم لأنها تتضمن عددا من القدرات تسمح للمتعلم بالإنجاز في وقت قصير. ولذلك يتم الحديث عن التمهير، أي إعداد الفرد لأداء مهام تتسم بالدقة والإتقان، فتعليم اللغة يجب أن يكون وسيلة لتنمية القدرة التواصلية لدى المتعلم، وهذا لا يتأتى إلا بتبني مناهج حديثة ترتكز على أسلوب الحوار والتفاعل وتتجاوز الطرائق التقليدية التي تعتمد على التلقين وشحن المتعلم بمجموعة من المعارف دون تمكنه من المهارات اللغوية المراد بناؤها، إلى جعله قادراً على توظيف تلك المعارف في سياقات تواصلية مختلفة، وهذا يحيلنا على المقاربة بالكفايات وتركيزها على الجانب الوظيفي والاستعمالي في اللغة، فلم يعد امتلاك المعرفة في إطار هذه المقاربة أمراً ضرورياً أو هدفاً في حد ذاته، بل المطلوب هو تجنيد تلك المعارف وتوظيفها في مواقف معينة ووضعيات مركبة ومعقدة. فالكفاية هي مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات التي يستدمجها المتعلم حين وجوده أمام وضعية معقدة ومركبة.[2].
وإن الدافع المهني يملي علينا نحن المشتغلين في الحقل التربوي العملَ على اعتماد طرائق حديثة تتجاوز طرائق الشحن والتلقين إلى بناء المهارة، والتركيز على البعد الوظيفي للغة من أجل تجويد عملية تدريس اللغة العربية، وتقديم حلول واقعية تروم بناء القدرة اللغوية وتحسين مستوى المتعلمين في اللغة العربية.
وكان الهدف هو الخروج بالمكونات اللغوية للغة العربية من منطق الشحن والتلقين إلى بناء المهارة والتركيز على الجانب الوظيفي والاستعمالي في اللغة، فترسيخ قواعد اللغة العربية لا معنى له إذا كانت إمكانات التوظيف قليلة.
إن هذا الأمر يجعل مهمة تطوير اللغة العربية في أعناق الباحثين بالانفتاح على اللسانيات الحديثة واستثمار نتائجها في تدريس اللغة العربية نظراً لإعلائها من الجانب الوظيفي والاستعمالي للغة.
ومن المؤكد أن المقاربة التي تعتمد على الكفايات كمدخل للعملية التعليمية التعلمية تتأسس على مبادئ تستهدف المتعلم كفاعل أساسي في بناء التعلمات، وتعمل على تنمية كفاياته الاستراتيجية، والتواصلية، والمنهجية، والثقافية، والتكنولوجية آخذة بعين الاعتبار مجموعة من الخصوصيات الفردية وكل المتغيرات في البيئة التعليمية التعلمية. وعليه فإن المقاربة قد حولت مسار المؤسسة التعليمية من أداة لشحن ذاكرة المتعلم إلى أداة لبناء المهارة عبر خلق أنشطة تعليمية مختلفة تستهدف إقدار المتعلم على حل وضعيات مشكلة. بحيث لم تعد مهمة التعليم "تحصيل المادة التعليمية في المقام الأول، بل تنمية مهارات الحصول عليها وتوظيفها، بل وتوليد المعارف الجديدة، وربطها بما سبقها"[3] فالمدرسة ينبغي أن توفر أكبر الحظوظ الذهنية والمادية والاتصالية لإنجاح اكتساب اللغة أو اللغات، حتى تكون اللغة أداة فكر وتفكير، وأداة اتصال، وكذلك لغة تقانة"[4].
وعليه فإن العملية التعليمية لم تعد تقتصر فقط على تبليغ المحتويات بشكل مجرد بل ترتكز على كيفية بنائها وتفاعلها في منظومة متعددة العلائق، ومنهاج اللغة العربية الحديث أصبح يلح على التعلم الذاتي ومبادرة المتعلم في البحث عن المعرفة. فباعتماد المقاربة بالكفايات أصبح المتعلم القطب الرئيس في العملية التعليمية التعليمة، وأصبح المدرس الموجه والمرشد وليس المالك للمعلومة.
إن تبني المقاربة بالكفايات في عملية التدريس يفرض علينا التعامل مع المادة المعرفية ليس كغاية في حد ذاتها وإنما كمجرد وسيلة لبناء القدرة اللغوية لدى المتعلم؛ أي التركيز على الوظيفة التواصلية وجعلها هي الهدف الأسمى من تعليم اللغة.
فالعلاقات الديداكتيكية والمثلث الديداكتيكي مفاهيم كلها تدور في فلك التواصل، فمفهوم التعلم يرمي إلى تأسيس وضعية تواصلية يتم فيها إشراك المتعلمين في استيعاب المعارف وبناء التعلمات، وهذا ما يستدعي القول بأن تحقيق الكفاية التواصلية هي الهدف الأسمى الذي من أجله تعلم اللغة العربية.